"غازا" العجوز مسكين، وتكاد لا تترك كلمات الرثاء عنه والتساؤل عن كيفية وصوله إلى هذه الحال المجال أمام أي رد فعل آخر حين الإصغاء إلى كلامه في "بودكاست" خلال هذا الأسبوع، متحدثاً عن انتقاله من سكير مبتهج إلى آخر حزين، وعيشه في غرفة احتياطية يملكها أحد وكلائه، ومشاهدة شريط تقديمي عنه، وملاحظة تشوه وجهه بجراحة تدميرية.
في الواقع إنه أمر بسيط نسبياً، لقد أوقعت الشهرة به واخترقت روحه بعمق مثل رمح حاد، ولم يكن مهيئاً منذ البداية للتعامل معها، وبالتالي فقد مضغته النجومية ثم لفظته.
الآن وبعد جيلين من أيام مجده بوصفه بول غاسكوين، الشخص الذي أسرت براعته الكروية الاستثنائية الأمة البريطانية بأكملها، لم يعد يُعرف بسوى كونه ضحية، ويبدو أن هذه هي الهوية الوحيدة التي بقي له للتشبث بها.
عند مشاهدته وهو يتحدث مع جايك همفريز في بودكاست "The High Performance" [الأداء المتألق]، يغدو من الاستحالة مصالحة حاضره مع ماضيه، وفيما يظهر زميله القديم في المنتخب الإنجليزي غاري لينكر متألقاً في الستينيات من عمره، يبدو غازا مجرد ظل لذاته السابقة.
ومع ذلك فقبل 34 عاماً خلت احتل موقعاً متفرداً بوصفه الرياضي الأشد ديناميكية في البلاد، ولاعب كرة القدم صاحب الأداء المميز، وكشخص منفتح لا تعوقه القيود، وفي تلك النبرة تفلت بصورة ممجدة وأضحى خارجاً من السيطرة، واستوفى كل طموح جامح وتفوق في حياته المهنية بينما كان يستمتع بوقت فراغه.
ثمة نتيجة غير متوقعة لصعوده إلى الصدارة الوطنية ذات شقين، كان التوقيت مناسباً من جهة حيث كانت كرة القدم تشهد انتعاشاً بعد تراجعها خلال فترة الثمانينيات، ولكن في الوقت نفسه أثبت ذلك أنه مدمر لذاته بشكل لا يصدق.
كانت بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1990 بلحظاتها المميزة التي جمعت ديس [ديس لينام مقدم برامج رياضية بارز في المملكة المتحدة معروف بعمله في البرامج الرياضية المختلفة، بما في ذلك تغطية كرة القدم]، وبافاروتي [مغني الأوبرا الراحل]، وغازا بمثابة تذكير قوي بتأثير كرة القدم، وبالنسبة إلى أولئك الذين يستعدون للاستفادة من تقنيات البث الناشئة، كان تأثير غازا عميقاً.
لقد ساعدهم في إدراك أن كرة القدم مناسبة تماماً للمحتوى الرقمي، وليس من المبالغة القول بأن الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم ولد من زخم شعبيته حينها.
في الوقت نفسه أمسك روبرت مردوخ بصحافتنا المصغرة "تابلويد" [رافقها صيت كونها صحافة شعبوية لفترة طويلة]، واستفاد من قوة الدفع التي أعطتها اللعبة للبث المتلفز، وبهدف تشجيعنا على شراء منتجه الجديد للبث عبر الأقمار الاصطناعية [إشارة إلى قناة "سكاي" التي أطلقت عام 1989 وأضحت بسرعة اللاعب الرئيس في ذلك النوع من البث المتلفز]، فتح مردوخ مساحات في صحفه أمام كرة القدم، وكذلك استعمل المقالات الافتتاحية في الترويج لها. أضحت كرة القدم تحتل الصفحات الأولى، إضافة إلى أخبار الصفحة الأخيرة [في الصحافة الورقية، تنال الصفحة الأخيرة مستوى القراءة نفسه مثل الأولى بل تفوقها أحياناً]. وتوجب على منافسي مردوخ التباري معه، وحينها قدم غازا لأولئك جميعهم مصدراً دائماً لمادتهم، على رغم سذاجته وحماقته وميله نحو الوقوع في المشكلات.
كانت بطولة "كأس أوروبا لكرة القدم 1996" لحظة فارقة بالنسبة إلى غاسكوين، وقبل انطلاق المسابقة أظهره الإعلام العام كشخص ثمل في هونغ كونغ فمنح نقاده مادة ثرية للثرثرة الفظة والوعظ الأخلاقي، وبعدها هدأت الأمور. ودفعت موهبته منتخب إنجلترا إلى الأمام وسجل هدفاً ساحراً واحتفى بذلك عبر قهر منتقديه، وعمدت المنافذ الإعلامية نفسها التي انتقدته إلى إزجاء المديح له، وحينها برز غازا وشكل تدفقاً لا ينضب من الأشياء المادية والخير والشر وكذلك القُبح، بالنسبة إلى معاملته لزوجته.