تدفعنا الرغبة في تلمس طبيعة الربط الجدلي بين أهداف الخطة الاستراتيجية للمؤسسة، وبين المتطلبات العملية لمراحل التخطيط بدءًا من مستوى تقدير بيئة المؤسسة وإدراك حجم المتغيرات البيئية حولها، وفهم قوة تأثيرها، ومعرفة طريقة ربطها بغايات العمل، إلى تحديد الوسائل والاختيارات بينها وبين البدائل المتاحة لزيادة الثقة في إمكانية تحقيق الأهداف؛ ما يعني اختيار الطريقة المثلى لتحقيق أهداف المشروع.
يمثل التخطيط الاستراتيجي الرؤية المستقبلية التي تتضمن الهدف من تأسيس المشروع، فمن الطبيعي أن يتعلق هذا التخطيط بجملة أهداف موضوعية وعقلانية قابلة للتحقيق؛ وذلك من خلال منظومة عمل تملك أدوات تطبيقية لإحداث النقلة النوعية المتطورة لنشاط المشروع.
الضوابط السيكولوجية
والتخطيط عبارة عن عملية منظمة يُفترض تقييمها للواقع الفعلي بشكل صحيح، وبناءً على تقديرات سليمة لحجم الإمكانيات المتاحة، وتلك المطلوبة لمواجهة التغيرات المحتملة أثناء تفعيل مراحل العمل في المؤسسة؛ وذلك بجعل التخطيط وسيلة لبلورة الأسس والضوابط السيكولوجية لأيديولوجيات القادة.
وضوح الرؤى لدى القادة
وينقسم القادة إلى قسمين: الأول من يتمسكون بالأهداف طويلة الأجل، والآخر من يتسمون بالحذر فيفضلون التعامل مع الأهداف قصيرة المدى؛ ما يعنى أن التخطيط الاستراتيجي ينطلق بالعلاقة بين الأهداف المحركة والمفعلة على المدى القصير، وبين تلك الأبعد رؤى؛ أي إن نجاح المؤسسة يتوقف على مدى وضوح الرؤى لدى القادة ونضوج أفكارهم وعمق وعيهم بمدى قابلية الأهداف الموضوعة للتطبيق ولمواجهة التحديات.
وغالبًا ما تضطر الحاجة- خلال تنفيذ مراحل العمل- إلى إيجاد معايير تخطيطية للاستعانة بها كضوابط لضمان عدم تجاوز محددات العمل وشروطه؛ كآجال التنفيذ، وحجم ونوعية المنتجات؛ بمعنى أن التفكير الإداري الناضج لا يمكن أن يكون له نفع، مادام في نطاق ضيق وبمعزل عن الواقع، ولتجاهله متطلبات التغيرالذي يفرضه الواقع؛ لذا يتميز التخطيط الاستراتيجي باقتران الفكر بالتطبيق؛ أي الاعتماد على عقلانية تحديد الوسائل أو البدائل، على ضوء ربط العلاقة بين تحقيق الهدف والوسيلة واقترانها بالمنافع التي يجب أن تكون أكثر من تكاليفها؛ إذ لا قيمة للخطة الاستراتيجية إذا كانت كلفتها أكثر من نفعها.
مُتَّخِذ القرار
ولا يمكن للتخطيط الاستراتيجي تحقيق قيمة مادية أو نوعية للمجتمع، إذا لم يفعل دور الإنسان فيه؛ باعتباره متخذ القرار ومنفذ تلك المنظومة، والمزج بين عناصر الإنتاج المتمثلة في الإنسان أولًا، ثم الفكر التنظيمي، والتقنية المستخدمة، والوقت المستغرق؛ ما يؤدي إلى وضوح المسارات وتحديد الغايات.
استراتيجيات متبصرة للحقائق
ولاشك في أن مجرد غياب أو اختلاف أحد هذه العناصر عن عملية المزج، يتسبب في ارتباك العمل، بخلاف أن الكم الهائل من المعلومات التي تُمرَّر عبر وسائل الاتصالات الحديثة، أحدث نقلة نوعية لجهود التقدم والنمو الاقتصادي، ومستوى مهارات إعداد استراتيجيات متبصرة للحقائق، وواعية للتحديات، ومدركة لأبعاد الواقع المحيط، وإثارة الوجود الإنساني- في عملية الإعداد والتنفيذ- مسألة مدى استعداد الفرد المسؤول لفهم طبيعة التخطيط، ومدى إلمامه بطريقة تقييم الأداء تنظيميًا وفرديًا، والتأهب للمحاسبة الذاتية فرديًا وجماعيًا، وشجاعة الكشف عن نقاط الضعف في الخطة.
حلقات الجودة
وفي هذا الإطار، ثبت نجاح تنظيم حلقات جماعية في طرح المشاكل بكل صراحة، بما يُسمَّى “حلقات الجودة”؛ لمناقشة مدى مرونة خطة العمل، ووضوح طبيعة الأعمال، وفلسفة المؤسسة للحصول على المنفعة العامة والشاملة؛ فإذا ما كانت الأهداف منطقية، يمكن للقائد تلمس حقيقة حجم العمل المبذول، ومدى فاعلية قنوات توصيل التوجيهات والتعليمات للعاملين.
المهارة الإدارية
وتكمن المهارة الإدارية للفرد في فرز العوامل والمتغيرات المؤدية إلى حدوث مشكلة ما في مستوى إجادة العمل وربط النتيجة بالسبب؛ إذ يقود هذا الربط إلى توسيع نظرته الشمولية لدراسة الظاهرة بشكل أكثر وضوحًا؛ كون النظرة الشمولية للتخطيط الاستراتيجي قراءة متبصرة للفرد نحو المستقبل، تدفع المسؤول إلى القراءة الواعية لأحداث الماضي، وضرورة التقييم الموضوعي لمتغيرات الواقع، وحيوية الاستشراف العملي لطبيعة التحديات الأقرب للحدوث؛ أي المُنتظرة وتلك غير المُستبعَدة؛ وذلك في إطار الرؤى الواضحة المعالم للنشاط، وفق نظرة تراعي اقتران كمية ونوعية المنتجات السلعية أو الخدمية بالقيمة.
وبهذا تتضح ضرورة توفر ضوابط محددة تحت مظلة مجموعة القيم السائدة والقوانين المنظمة لعملية اتخاذ القرارات تراعي عدم تخطي اللوائح؛ باعتبار أن الإنسان هو متخذ القرار المناسب.
الفكر التنظيمي
وتكمُن المعضلة القائمة مع كثرة القيادات الإدارية بالمؤسسات، في كيفية استفادة الفرد من نتائج مواجهة الفكر التنظيمي للتعدد الموجود في النماذج التي تُستخدم كضابط للسلوك الإنساني المُتَّخذ كمقياس للحد من تزايد التكاليف من جهة، وتعزيز جهود ترشيد الإنفاق من جهة أخرى؛ أي معضلة تهيئة الظروف الملائمة لعدم التبذير، وتجنب تحميل المؤسسة مزيدًا من التكاليف غير ذات الفائدة. فالفرد جزء من المؤسسة، والمؤسسة جزء لا يتجزأ من المجتمع، والتخطيط الأمثل هو أداة تساند المؤسسة في تحديد مسار نشاطها، وإنارة الطريق الذي يجب عليها اتباعه، ووسيلة إدارية تحفز الرقي بالمستوى الإداري.
التخطيط الجيد
والتخطيط الجيد هو الذي يرتبط ارتباطًا قويًا بقدرة المؤسسة على حسن استخدام مواردها البشرية، ومدى توفر فريق عمل قادر على أن يكون عنصرًا فاعلًا ضمن محاور الخطة؛ فالمورد البشري هو محور بناء الخطة؛ إذ للخيال الإبداعي للفرد مردوده الإيجابي في تجاوز الأفكار والمنهجيات التقليدية التي تَحُدُّ من التقدم في عمليات التحديث، وتعيق جهود التطور، وخاصة تحقيق هدف اعتماد اقتران الأهداف بميزاتها؛ لضمان وضوحها، ثم سهولة قياسها ومراقبة تنفيذها خلال مدة زمنية محددة من جانب متخذي القرار.