مات مولينوويج . العقل المدبر وراء إمبراطورية ووردبريس

في رحلة استكشافية عبر دهاليز العبقرية التكنولوجية، نجد أنفسنا أمام شخصية بارزة تركت بصمة لا تمحى في عالم البرمجيات وتطوير الويب. مات مولينوويج، الاسم الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بواحدة من أعظم الأدوات التي شكلت المشهد الرقمي المعاصر. ليس مجرد مطور ويب؛ بل هو رائد أعمال ورؤى استشرافية ساهمت في تشكيل حياة الملايين حول العالم.

ويلقب مولينوويج بحق بـ”أمير المدونات”، فبفضل عبقريته وإصراره، تمكن من تطوير نظام إدارة المحتوى الأكثر شعبية في العالم، ووردبريس.

هذا النظام الذي يقف وراء ملايين المواقع والمدونات حول العالم. لم يكن مجرد مشروع تقني، بل كان ثمرة سنوات من العمل الشاق والابتكار الذي حول فكرة بسيطة إلى إمبراطورية رقمية.

ولكن قصة مولينوويج لا تتوقف عند حدود النجاح التقني، فثروته التي تقدر بأكثر من 400 مليون دولار هي شهادة على عبقريته الاستثمارية ورؤيته الثاقبة.

وبالإضافة إلى حصته الكبيرة في شركة أوتوماتيك، الشركة الأم لووردبريس والتي تقدر قيمتها بأكثر من 7.5 مليار دولار. يمتلك مولينوويج مجموعة متنوعة من الاستثمارات والشراكات التي ساهمت في توسيع إمبراطوريته المالية.

طفولة موهوبة وبداية مبكرة

ولد مات مولينوويج في 11 يناير عام 1984م، بمدينة هيوستن الأمريكية. نشأ في بيئة فنية وعلمية؛ حيث كان والده عالم كمبيوتر وعازف ساكسفون، ما أثر بشكل كبير على تكوينه الفكري.

وتلقى مولينوويج تعليمه الأساسي والثانوي في مدرسة الفنون المسرحية والبصرية؛ إذ صقل موهبته الموسيقية، وخاصة في عزف الساكسفون.

ولكن، بفضل تأثير والده وعلمه بالكمبيوتر، بدأ مولينوويج في تطوير شغف عميق بالبرمجة.

وبحلول سن المراهقة، كان قد بدأ بالفعل في بناء مواقع الويب، مستغلًا مهاراته البرمجية لكسب بعض المال من خلال تطوير مواقع لموسيقيين محليين في مسقط رأسه.

من الموسيقى إلى البرمجة

بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق مولينوويج بجامعة هيوستن؛ حيث اختار دراسة العلوم السياسية. على الرغم من اختياره هذا التخصص، إلا أن شغفه بالبرمجة لم يغب عنه لحظة.

وخلال سنوات دراسته الجامعية، كان مولينوويج يتابع عن كثب تطورات منصة برامج المصدر المفتوح b2/cafelog، وشارك بنشاط في مجتمعها.

اهتمامه الكبير بهذه المنصة لم يمر مرور الكرام، فقد لفت انتباه مايك ليتل، أحد مطوري المنصة.

وبفضل هذا اللقاء، ولدت فكرة إنشاء نظام إدارة محتوى جديد قائم على نفس قاعدة كود b2، وهو النظام الذي سيصبح فيما بعد “ووردبريس”.

الإطلاق الأول والنشر

تم إطلاق النسخة الأولى من ووردبريس في 27 مايو 2003، والتي لاقت استحسانًا كبيرًا من عشاق المدونات.

في البداية، كان النمو بطيئًا، ولكن مع التغييرات الجذرية في ترخيص منافسه Movable Type في عام 2004، شهد ووردبريس ارتفاعًا حادًا في شعبيته.

الانضمام إلى CNET وتأسيس Automattic

وفي مطلع الربع الثاني من عام 2004، انضم مولينوويج إلى شركة CNET الشهيرة؛ حيث عمل على تطوير ووردبريس بشكل مكثف. وفي مطلع الربع الثالث من عام 2005، أصدر فريق ووردبريس إصدار WordPress v1.5 “Strayhorn” الذي قدم مرفقًا محسنًا بشكل كبير للمواضيع وسجل بسرعة أكثر من 900 ألف عملية تنزيل.

وبعد مغادرة CNET في عام 2005، أسس مولينوويج شركة Automattic، والتي أصبحت الشركة الأم لووردبريس وAkismet، أداة مكافحة البريد العشوائي التي طورها مولينوويج لحماية مدونات ووردبريس من التعليقات غير المرغوب فيها.

جولات التمويل والنمو المتسارع

في أبريل 2007، جمعت Automattic نحو 1.1 مليون دولار في جولتها الأولى من التمويل. وفي يناير 2008، جمعت الشركة 29.5 مليون دولار إضافية في جولة رأس مال خطر ثانية.

وبحلول عام 2009، كان ووردبريس أحد أكثر مواقع المدونات شعبية في العالم؛ حيث استضاف أكثر من 15000 مشاركة مدونة جديدة يوميًا. وفي منتصف عام 2011، أفادت TNW أنه استضاف أكثر من 50 مليون مدونة. كما كان يدعم أكثر من 14 % من مواقع الويب عالميًا.

وفي مايو 2014، جمعت ووردبريس 160 مليون دولار أخرى، ما قيم الشركة بنحو 1.6 مليار دولار. كما جمعت Automattic في سبتمبر 2019 ما يقرب من 300 مليون دولار، وهو ما رفع تقييمها إلى ما يزيد عن 3 مليارات دولار.

إمبراطورية رقمية

وبحسب التقارير المرفقة بالمنصة الإلكترونية الرسمية للشركة، فإن تقييم Automattic يبلغ نحو 7.5 مليار دولار. وذلك بعد جمع نحو  288 مليون دولار في جولتها الأخيرة من التمويل في أغسطس 2021.

ويعد ووردبريس نظام إدارة المحتوى الأكثر شعبية في العالم؛ حيث يدعم أكثر من 40 % من مواقع الويب عالميًا.

ولادة أوتري كابيتال

في أعقاب النجاح الكبير الذي حققته شركة أوتوماتيك، الشركة الأم لنظام إدارة المحتوى الشهير ووردبريس، قرر مؤسسها مات مولينوويج التوسع في مجال الاستثمار. وفي عام 2008، أسس شركة أوتري كابيتال، والتي تهدف إلى دعم الشركات الناشئة الواعدة في مختلف المجالات، مع التركيز بشكل خاص على الشركات التي تتناسب مع رؤية أوتوماتيك وتساهم في تطوير بيئة الإنترنت.

استراتيجية الاستثمار في أوتري كابيتال

تتبنى أوتري كابيتال استراتيجية استثمارية تركز على دعم الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة، أي في جولات التمويل الأولي (Seed) والملائكية.

كما تهدف الشركة من خلال ذلك إلى المساهمة في نمو هذه الشركات وتقديم الدعم اللازم لها للوصول إلى النجاح.

محفظة استثمارات متنوعة

على سبيل المثال، تضم محفظة استثمارات أوتري كابيتال مجموعة متنوعة من الشركات الناشئة في مجالات مختلفة؛ مثل: “التعليم والتكنولوجيا، والبيع بالتجزئة الرقمي”. ومن أبرز الاستثمارات التي قامت بها الشركة:

• ميمرايز: في عام 2012، شاركت أوتري كابيتال في جولة التمويل الأولي للشركة البريطانية الناشئة ميمرايز، والتي تقدم حلولًا مبتكرة في مجال التعليم والتكنولوجيا. وقد جمعت هذه الجولة ما مجموعه 1.1 مليون دولار.
• بوينتي: في عام 2015، دعمت أوتري كابيتال شركة بوينتي الناشئة في مجال البيع بالتجزئة الرقمي، وذلك من خلال المشاركة في جولة التمويل الأولي التي جمعت 1.2 مليون دولار.
• سي إم كوميرس: في نفس العام، شاركت أوتري كابيتال في جولة التمويل الملائكي للشركة، كما جمعت الشركة نحو 500 ألف دولار.

الدور الاستراتيجي لأوتري كابيتال

وتؤدي أوتري كابيتال دورًا استراتيجيًا في دعم نمو النظام البيئي للشركات الناشئة، وذلك من خلال توفير رأس المال اللازم لهذه الشركات. بالإضافة إلى تقديم الدعم والخبرات اللازمة لمساعدتها على النمو والتطور.

كما تساهم هذه الاستثمارات في تعزيز مكانة أوتوماتيك كلاعب رئيسي في مجال التكنولوجيا.

تكريم رائد الديمقراطية الرقمية

في إنجاز مهم يضاف إلى سجل إنجازاته الحافل، حصل مات مولينوويج؛ المؤسس المشارك لمنصة ووردبريس، على جائزة هاينز الحادية والعشرين عن فئة التكنولوجيا والاقتصاد والتوظيف.

كما يأتي هذا التكريم تقديرًا لمساهمته البارزة في إضفاء الطابع الديمقراطي على النشر الإلكتروني من خلال تطوير منصة مجانية وسهلة الاستخدام للمواقع الإلكترونية والمدونات مفتوحة المصدر، متاحة لأي شخص في أي مكان في العالم.

منصة مجانية ومفتوحة

ومنذ إطلاقها في عام 2003، ظلت ووردبريس منصة مجانية ومفتوحة المصدر. إذ يؤمن مولينوويج بشدة بأن “الانفتاح أفضل من الانغلاق”، وأن الشفافية والتعاون والتواصل هي أساس تقدم البشرية.

كما استوحى هذه المبادئ من تجربته الشخصية في العمل التطوعي. وكذلك من مشاركته في تقديم الدعم التقني المجاني للأفراد.

قوة تؤثر في العالم

تحتل ووردبريس مكانة بارزة في عالم الإنترنت؛ حيث تدعم أكثر من 76.5 مليون موقع إلكتروني حول العالم، بدءًا من المدونات الشخصية وصولاً إلى مواقع كبرى مثل: مجلة تايم وصحيفة نيويورك تايمز ومايكروسوفت. حيث يرجع هذا النجاح إلى سهولة استخدام المنصة وقابليتها للتخصيص، بالإضافة إلى كونها متاحة بعدة لغات.

مجتمع مفتوح يدعم النمو

لذا يؤدي مجتمع المبرمجين المتطوعين دورًا حيويًا في تطوير ووردبريس. بفضل مساهماتهم. تتوفر المنصة حاليًا بـ 57 لغة. ويتم تنزيل إصدار حديث منها 30 مليون مرة شهريًا. كما تشير الإحصاءات إلى إضافة 50 ألف موقع ووردبريس جديد يوميًا.

اقتصاد مزدهر مدعوم بووردبريس

كما لم تؤثر ووردبريس على عالم النشر الإلكتروني فحسب. بل ساهمت أيضًا في خلق اقتصاد مزدهر. بينما أوجدت المنصة فرص عمل لمئات الآلاف من المتعاقدين المستقلين. والشركات الصغيرة المتخصصة في تصميم وتطوير واستضافة مواقع ووردبريس.