تشهد علوم الفلك حالياً تحولاً نوعياً كبيراً تمثّل في عودة الزخم لعلم المراصد الأرضية بوصفها منطلقاً لفهم الفضاء الشاسع حولنا، بدلاً من الذهاب في رحلات مكلفة للغاية لدراسة تلك الكواكب.
وتطور بصورة واضحة علم صناعة التلسكوبات الضخمة، أو ما يسمى "المسبار" بنوعيه الثابت على سطح الأرض كما في تلسكوب "لاموست" المثبّت قرب مدينة بكين الصينية، أو المتحرك الذي يرسل لملامسة الشمس، كما في مهمة المسبار "باركر" في 2022، وتظل بعض المسبارات قابعة في الفضاء ضمن مهمات طويلة لمراقبة أقل حركات هذا الكوكب وتغيراته.
وتعد نظرية رصد الفضاء بدلاً من غزوه نظرية حديثة، لكنها تعود في جذورها للشرق زمن ازدهار علم الفلك عند العرب المسلمين، وتزامن ظهورها أخيراً مع صعود وكالات فضاء مغمورة مثل الهندية، وكذلك تحقيق إنجازات عربية وصينية وآسيوية في هذا المضمار.
العلم والخرافة
تسربت الخرافة إلى علم الفضاء قديماً وحديثاً بصورة دائمة، فسادت نظريات فلكية خاطئة على مدى عصور بأكملها، فظنّ الناس لقرون من الزمن أن "أطلس" وهو أحد جبابرة الإغريق هو من يحمل قبّة السماء فوق كتفيه، وساد الجدل في اليونان حول نظرية دوران الشمس حول الأرض الخاطئة تماماً، مما يعني أن العمل من خلال نظرية خاطئة في فهم الفضاء أمر وارد في هذا العلم حتى في وقتنا الحديث، وأن العمل بالنظريات الخاطئة يمتد أحياناً لقرون من الزمن.
وأخيراً اكتشفت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" ووكالات الفضاء الكبرى مثل الروسية والصينية والأوروبية والهندية أيضاً، مقدار الضعف الذي عانته نظريات غزو الفضاء الحديثة التي أوقفتها "ناسا" قبل أعوام عدة، بسبب ما أسمته نقص الموازنة وبطء التقدم في مجال التقنيات والذكاء الاصطناعي.
مراقبة الكائنات
الكلمة المفتاحية في ما يحدث حالياً في الفضاء البعيد هي الضوء، وذلك يعني تطبيقياً وعملياً مراقبة الضوء الواصل إلى كوكبنا وتحليله بصورة طبيعية بحثاً عن حيوات أخرى، سواء كانت بشرية أو نباتية أو من أي نوع آخر، فالضوء هو لغة الفضاء الجديدة بعد الصوت والصورة.
وسجلت "ناسا" وغيرها من الوكالات الفضائية اختراقات علمية مهمة من خلال مراقبة الضوء، تمثلت في التقاط إشارات ضوئية من الفضاء الخارجي، لا سيما أن جهود وكالات الفضاء العالمية ركزت قبل ذلك على إرسال رسائل صوتية وصور حقيقية لأناس من كوكبنا يخاطبون بأكثر من 100 لهجة الحياة خارج هذا الكوكب، من دون تلقي أية ردود، هذا عدا عن تكبدنا عناء الذهاب إلى تلك الكواكب لدراستها الذي كلّف البشرية أموالاً طائلة منذ مهمة القمر الأميركية الأولى "أبولو11" عام 1969 وحتى يومنا هذا.
نظرية الكهف لأفلاطون
وضع الفيلسوف الإغريقي أفلاطون نظرية إنسان الكهف قبل قرون من الزمن ضمن كتابه الشهير "الجمهورية"، وفيها يشرح أن الخرافة تقيّد الإنسان فلا يدرك اتجاهه السديد، بل إنه لا يرى إلا في اتجاه وحيد، فيبحث عن الحقيقة بحرقة وسط الظلام الدامس، غير مدرك أن "كوّة الضوء" تقبع خلفه تماماً.
ومع أنه من الصعوبة تصديق أن علماء الفضاء في عصرنا انساقوا وراء الخرافة في تحليل ظواهر الفضاء الخارجي أكثر من العلم، إلا أن هذا التحول الكبير في نظريات الفضاء جاء ليؤكد أن اتجاه البحث في هذا العلم كان مغلوطاً لعقود عدة، والأمثلة التي تؤكد ذلك كثيرة ومنها بحث نشر في مجلة "نيتشر" لمجموعة من الباحثين بقيادة الصيني زهاو غانغ من المراصد الفلكية الوطنية، تمكن أخيراً من إحباط نظرية "المستعمرات الأعظمية" والمتعلقة بكيفية إنهاء النجوم حياتها عبر انفجار غير عادي، على عكس ما كان معلوماً ومتداولاً في السابق.
وتمكن التلسكوب الصيني الأرضي "لاموست" خلال المهمة من "غربلة" أكثر من 5 ملايين نجم من خلال موقعه على الأرض.
مخلوق ضوئي
من أهم مظاهر تحوّل علماء الفضاء إلى دراسة الضوء هي ظاهرة تطور النظرة إلى المخلوق الفضائي الذي صار يوصف بأنه ودود جداً، وحلت هذه النظرة مكان تلك التي سادت لعقود من الزمن ضمن سياق شيطنة المخلوق الفضائي بوصفه الكائن الشرير الذي يهاجم الأرض وفق الرواية السائدة في هوليوود قديماً، أي إنه آتٍ لتدميرنا، ويتوجب علينا الذهاب إليه لتدميره قبل أن يصل إلينا.
وشكّلت هذه الأكذوبة مركزاً لنظريات غزو الفضاء لقرن من الزمن، فيما أكدت مشاهدات توصف بأنها حقيقية لأناس من مناطق عدة حول العالم أخيراً أن المخلوقات الفضائية موجودة بيننا بالفعل وأنها كائنات ضوئية غير ناطقة وودودة ومسالمة للغاية، وتعد الحكايات التي تروى على مواقع التواصل الاجتماعي عن بشر تواصلوا مع هذه الكائنات الودودة خير شاهد على هذا التحوّل.